البيض والكوليسترول: لماذا أثبتت الدراسات الحديثة أن مخاوفنا القديمة كانت في غير محلها

هل البيض يرفع الكوليسترول حقًا؟ اكتشف ما تقوله الدراسات الحديثة، وما الذي يشكل الخطر الأكبر على قلبك، وكيف تستفيد من البيض دون الإضرار بصحتك.

البيض والكوليسترول: لماذا أثبتت الدراسات الحديثة أن مخاوفنا القديمة كانت في غير محلها
كيف غيّرت الأبحاث الحديثة فهمنا لعلاقة البيض بالكوليسترول وصحة القلب


لطالما كان البيض في قلب الجدل الغذائي العالمي، إذ اعتبر لعقود أحد المصادر الغذائية التي يجب الحد منها بسبب احتوائه على الكوليسترول الغذائي. كانت التوصيات الصحية التقليدية تحذر من تناوله بانتظام، خاصةً لمرضى القلب أو من لديهم مستويات مرتفعة من الكوليسترول في الدم، انطلاقًا من فرضية أن الكوليسترول الغذائي يرفع مباشرة الكوليسترول الضار في الجسم.

لكن الأبحاث الحديثة بدأت تعيد صياغة هذه الصورة. فقد أظهرت دراسات متقدمة أن العلاقة بين تناول البيض ومستويات الكوليسترول في الدم أكثر تعقيدًا مما كان يُعتقد، وأن الدهون المشبعة، وليست الكوليسترول الغذائي في البيض، قد تكون العامل الأكثر تأثيرًا على ارتفاع الكوليسترول الضار (LDL) وخطر الإصابة بأمراض القلب. هذه النتائج دفعت الباحثين وخبراء التغذية إلى إعادة النظر في مكانة البيض ضمن النظام الغذائي الصحي، بل وحتى النظر إليه كمصدر بروتيني غني بالعناصر الغذائية، يمكن أن يكون جزءًا من نمط حياة متوازن إذا تم تناوله بالشكل الصحيح.

ما الذي تقوله الأبحاث الحديثة حول هذا الجدل !

على مدى سنوات، دار الجدل بين الباحثين حول ما إذا كان البيض يرفع مستوى الكوليسترول منخفض الكثافة (LDL) – المعروف باسم "الكوليسترول الضار" – الذي يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية. ويعود هذا الجدل إلى أن البيض غني بالكوليسترول الغذائي، إذ تحتوي البيضة الكبيرة الواحدة على نحو 200 ملليغرام من الكوليسترول، أي ما يعادل ثلثي الحد اليومي الموصى به سابقًا وهو 300 ملليغرام.

لكن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن الدهون المشبعة، وليس الكوليسترول الغذائي، هي المسؤولة عن رفع مستويات LDL. وكما أوضح الخبراء، فإن معظم الأطعمة الغنية بالكوليسترول تحتوي أيضًا على نسب عالية من الدهون المشبعة، لكن البيض يحتوي على كمية ضئيلة منها (حوالي 1.6 غرام فقط)، وهو ما أثار النقاش العلمي مجددًا.

يقول الدكتور شون هيفرون، اختصاصي أمراض القلب الوقائية في مركز لانغون بجامعة نيويورك: "على مدى العقدين الماضيين، كان لدينا شعور قوي بأن الدهون المشبعة، أكثر بكثير من الكوليسترول، هي ما يرفع مستويات LDL".

دراسة جديدة
أجريت دراسة جديدة على 61 بالغًا سليمًا، تم تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات، بحيث يتبع كل منهم نظامًا غذائيًا محددًا لمدة خمسة أسابيع، مع تبادل الأنظمة بين المجموعات لتجربة جميع الخطط الغذائية. وفي النهاية، أكمل 48 مشاركًا الأنظمة الثلاثة:

  • الحمية المضبطة (Control diet:) : غني بالكوليسترول والدهون المشبعة، مع تناول بيضة واحدة كحد أقصى أسبوعيًا.

  • الحمية العالية بالبيض (Egg diet): غني بالكوليسترول ومنخفض الدهون المشبعة، مع تناول بيضتين يوميًا.

  • نظام خالٍ من البيض (Egg-free diet): منخفض الكوليسترول وغني بالدهون المشبعة، دون أي تناول للبيض.

أظهرت النتائج أن الدهون المشبعة ارتبطت بارتفاع مستويات LDL، بينما لم يكن للكوليسترول الغذائي هذا التأثير. بل إن النظام الذي تضمن تناول البيض أدى إلى خفض LDL بمعدل 5.7 ملليغرام/ديسيلتر مقارنة بالنظام الضابط، في حين لم يظهر النظام الخالي من البيض أي انخفاض مشابه.

هذه النتائج تشير بوضوح، كما قال الباحث جون باكلي، إلى أن الدهون المشبعة هي العامل الأساسي في رفع LDL، وليس الكوليسترول الغذائي. وأضاف: "كنا متفاجئين قليلًا من وضوح النتيجة بهذا الشكل".

ومن المهم الإشارة إلى أن مركز تغذية البيض، وهو قسم من مجلس البيض الأمريكي، قد ساهم في تمويل هذه الدراسة، التي نُشرت في المجلة الأمريكية للتغذية السريرية عام 2025.

التحليل النقدي للدراسة

تتميز هذه الدراسة بعدة عناصر تعزز من قوة نتائجها، أبرزها التصميم التجريبي المضبوط الذي اعتمد على التجربة المعشاة التبادلية، وهو أحد أقوى أساليب البحث التي تقلل تأثير الفروق الفردية بين المشاركين، حيث جرب كل شخص جميع الأنظمة الغذائية ما أتاح المقارنة الدقيقة داخل نفس الفرد. كما أن الدراسة نجحت في الفصل بين تأثير الكوليسترول الغذائي وتأثير الدهون المشبعة، وهو أمر قلّما يتحقق في الأبحاث الغذائية، إضافة إلى استخدام مؤشرات مخبرية مباشرة لقياس الكوليسترول الضار (LDL)، مما يمنح النتائج مصداقية أكبر مقارنة بالدراسات التي تعتمد على التقديرات الغذائية أو الاستبيانات.

ورغم هذه النقاط الإيجابية، فإن هناك اعتبارات تحد من قابلية تعميم النتائج. فحجم العينة كان محدودًا، حيث شملت الدراسة 61 مشاركًا فقط وأكملها 48، وهو عدد قد لا يمثل التنوع السكاني بشكل كافٍ. كما أن مدة التجربة، وهي خمسة أسابيع لكل نظام غذائي، وإن كانت كافية لرصد التغيرات في مؤشرات الدم، إلا أنها لا تعكس التأثيرات طويلة المدى على صحة القلب أو على خطر الإصابة بالأمراض القلبية.

إضافة إلى ذلك، فإن تمويل الدراسة من مركز تغذية البيض التابع لمجلس البيض الأمريكي يثير تساؤلات حول إمكانية تأثير التمويل على توجيه البحث أو تفسير النتائج، حتى وإن لم يكن ذلك بالضرورة دليلًا على تحيز. كما أن تركيز الدراسة على مؤشر LDL وحده دون التعمق في عوامل أخرى مثل حجم جزيئات LDL، أو مستوى الالتهاب المزمن، أو نسبة الكوليسترول النافع (HDL)، يجعل الصورة غير مكتملة فيما يتعلق بالتأثير الشامل للبيض على صحة القلب.

وبناءً على ذلك، يمكن القول إن هذه الدراسة تقدم دعمًا علميًا قويًا لفرضية أن الدهون المشبعة، وليس الكوليسترول الغذائي في البيض، هي العامل الأكثر تأثيرًا على ارتفاع LDL. ومع ذلك، فهي لا تجيب عن جميع التساؤلات، خاصة فيما يتعلق بالآثار بعيدة المدى وفي الفئات التي تعاني من مخاطر قلبية عالية، الأمر الذي يتطلب المزيد من الأبحاث المستقلة والمتنوعة.

في الختام، تكشف هذه النتائج أن البيض، رغم تاريخه الطويل في دائرة الاتهام الغذائي، ليس بالضرورة عدوًا للصحة القلبية كما كان يُعتقد. التوجهات البحثية الحديثة تشير بوضوح إلى أن التأثير الأكبر على مستويات الكوليسترول في الدم لا يرتبط بالكوليسترول الغذائي في حد ذاته، بل بالدهون المشبعة وأنماط الأكل العامة. هذه الخلاصة تفتح الباب أمام إعادة النظر في التوصيات الغذائية التقليدية، مع التركيز على التوازن الكلي للنظام الغذائي، وتبني خيارات واعية تستند إلى الأدلة العلمية لا إلى الانطباعات المسبقة. وفي ضوء هذه المعطيات، يصبح البيض عنصرًا غذائيًا يمكن أن يندمج بذكاء في خطة صحية شاملة، بدل أن يكون هدفًا للعزل أو الخوف غير المبرر.